19 - 10 - 2024

وجهة نظري| الحوت الأزرق والجن الأحمر

وجهة نظري| الحوت الأزرق والجن الأحمر

ليست لعبة الحوت الأزرق وحدها ما يكمن فيها الخطر .. ليست وحدها تلك اللعبة المدمرة التى بدأت من روسيا وانتشرت فى دول كثيرة فى العالم لتصل بعدها إلى مصر .. ليست وحدها من تغيب العقل وتدفع للياس وتملى بجبروتها الأوامر فيستجيب الواقع تحت تأثيرها بدون وعى لكل إملاءاتها .. يستسلم لسطوتها كأنها السحر .. تأمره أن يرسم حوتا فيوخز نفسه بالإبر غير عابئ بالألم .. يغريه نجاحه الموهوم لينتقل لمستوى أعلى تتصاعد حدة وخطورة الأوامر وتلهث النفس الضعيفة الخاضعة للإستجابة .

لا أعرف أية متعة تلك التى تدفع للخضوع وللإستسلام وفقد السيطرة على النفس .. أى قوة يمكن أن تسلب الإنسان إرادته وعقله وتفكيره وتجعله أقرب لمن وقع تحت تاثير النوم المغناطيسى .تحيلنا اللعبة المدمرة لتلك الافلام التى تأخذنا لهذا العالم الغريب .. عندما يفرض أحدهم سيطرته على الآخر بنظرة عميقة وثابتة وقوية وآمرة بالنوم .. وعندما ينجح فى ذلك يتحول الخاضع له لأداة طيعة يستجيب لكل ما يمليه عليه حتى لو طلب منه قتل أحدهم أو إلقاء نفسه من النافذة ودفعه للإنتحار .. كدنا ننسى تلك الحكايات العجيبة حتى فاجأتنا لعبة الحوت الأزرق .لم ندرك خطورتها إلا بعدما وقعت أكثر من حالة إنتحار لشباب قيل أن وراء إنتحارهم "الحوت الأزرق" ..الكلام عن اللعبة من المؤكد أنه يفتح شهية فضول بعض الشباب للتجربة من باب التقليد أو التحدى أو الإكتشاف .. ويقع ضعاف النفوس منهم ضحية تلك التجربة .. ردود الفعل المحذرة من قبل الخبراء والتربويين من تلك اللعبة وكلماتهم الناصحة لكل اسرة بتوخى الحذر واليقظة لكل تصرفات أبنائهم والتدخل فى الوقت المناسب قبل وقوع الكارثة .. تلك النصائح لم تجد آذانا صاغية لكثير من الشباب وهو ماترجموه بتعليقاتهم الساخرة على أحوالهم الصعبة وضيق معيشتهم وضنك حالهم التى رغم بشاعتها لم تدفعهم للإنتحار فهل يمكن للعبة تافهة أن تدفعهم إليه !! يوقنون أن الخطر الأكبر ليس لعبة وهمية، لكنه حياة قاسية يفرضها من يتربص بأحلامهم ويقضى على طموحهم ويدمر مستقبلهم ويقتل فيهم الأمل.. من يحلو له أن يجعلهم أسرى دائما لدوامة لاترحم تحاصرهم تخنقهم تكتم أنفاسهم فيقعوا أسرى لأفاعيها من غلاء وبطالة واحساس بالعجز وضياع أجمل سنوات العمر فى البحث عن فرصة عمل لا تأتى ودخل مناسب لايتحقق وشقة متواضعة أصبحت ضربا من الخيال .. أن يتخرج أحدهم من هندسة بترول فيعمل سائقا ويتخرج آخر من كلية طب فيعمل بائعا ويتخرج ثالث من سياسة واقتصاد فيعمل مندوبا للمبيعات ورابع من تجارة وآداب وحقوق فلايجد سوى وظيفة ""خدمة العملاء "" والتى اصبحت وظيفة من لا وظيفة له والباب الوحيد المفتوح أمام الشباب البائس.

وسط تلك الإحباطات ومع سواد واقع مر لاتحدثونا عن الحوت الأزرق فيكفينا مانعانى منه من الجن الاحمر .. هكذا ينطق لسان حال الشباب ..وللأسف لاتجد لأناتهم آذانا مصغية ، فلا تلوموا الحوت الأزرق فما خفى كان أخطر .